لعلي أكتب لقارىء لا يعرفني.
لعلي أكتب لقارىء لا يقرأني.
ما يسعدني هو أنني لا أراه، لا أتوقع وجوده.
لعله قابع في عتمة، لكنني لا أراه.
لعله وصل صدفة إلى حيث أرخيت صنارتي.
لعله يتلصص علي فيما أظنني وحدي، لاهياً.
لعله يكتب، أو يعترف، مثل وداد بغدادي، بأنه كان عليه أن يقترب مني، أن يحادثني، أن يسألني عما كتبت، عما لن أكتب.
لعله سبقني إلى حيث ينتظرني من دون أن أصل، أو قد أصل إلى ما يقع تحت نظره من دون أن يكون بمتناوله.
لعله أمسك عن الكلام، يراقبني وحسب، ويحتفظ بما يعتمل فيه.
لعله صمت عمداً.
لعلي أغيب من دون أن أغيب.
لعلي أصل من دون أن أرى وقع خطواتي. لعل خطواتي غارقة في تربتها، فلا تُحدث أثراً.
لعله يظن – إن رآني – أنه رآني.
لعله يظن – إن قرأني – أنه رآني.
لعلي أختفي، أنتقل فوق رؤوس الحروف، من دون أن ينتبه لي أحد.
لعل الضجيج الذي أحدثتُه بين حرف وآخر لم يبلغ أحداً غير حروف مجاورة.
لعلي أمضي، حيث قدامي هو أمامي، من دون اعتذار، من دون توقع، من دون انتظار.
لعلي أصرخ فلا يصل صراخي، وأبكي من دون أن يمدني بمنديل. لعلي أحكي عن صراخ، أو بكاء.
لعلي اختفيت وراء وجه، أو وراء وجهي. لعلي امتنعت عن المجيء مفضلاً البقاء صامتاً، منتظراً حركة غيري: أله أن يبحث عن كتابي، أن يفتقدني، أن يتفقدني هنا أو هناك؟
لعلي ألقاه من دون موعد، أو لمحاً، بين ورقة وأخرى، بين قارىء وآخر، بين ما لا يصل وما يقعد هامداً فوق مقعده.
لعله يشاركني في ما لا أنتظره، ويباغتني في سؤال، ويواعدني حيث لا أنتظر، في ثيابي المهملة أو أصابعي الكسولة.
لعله يفرح إذ يقرأ، أو يعتلي الحروف فوق بالون. لعله يمد يده، أو إصبعه، أو يستلقي من دون أن يميز بين إغفاءة ويقظة.
لعله يصغي، أو يتفقد صندوق بريده الإلكتروني دقيقة تلو دقيقة منتظراً سماع الرنة المنبئة بوصول رسالة جديدة.
لعلي لا أحادثه فعلاً، أتوجه إليه من دون أن أقصده: ممثل فوق خشبة يغفل عن أن جمهوراً يترصده، فيما يخاطب الممثل نفسه مثل غيره على أنه خشبة أصوات، لا الشخص الواحد.
لعله قرأ ما كتبت مثل رسالة خاصة، وبتصرفه.
لعله يلقاني، وألقاه، واهمَين معاً أننا نتحاور فيما نردد حديثَين سبق لكل واحد منهما أن أعده لهذه المناسبة.
لعله يلقاني، وألقاه، مثل عابرَين فوق رصيف قطار: واحد في اتجاه، والآخر في الاتجاه الأخر. واحد خرج من الكتاب، وآخر دخل إليه: غريبان في تدافعات الهواء وملامساته.
(نشرت في "دبي الثقافية"، صيف 2012)