صدرت في مناسبة المعرض الدولي للكتاب في القاهرة مجموعة شعرية جديدة للشاعر اللبناني الدكتور شربل داغر، بعنوان: "دمى فاجرة"، عن "دار العين للنشر"، في 192 صفحة، والغلاف صورة فنية مميزة التقطها الشاعر بعدسته الخاصة. والمجموعة هي الخامسة عشرة في ديوانه، بين مجموعات ومختارات، وهي الثانية التي يصدرها تباعاً عن "دار العين للنشر". وتتوزع المجموعة في 39 قصيدة، بين قصيرة وطويلة، فضلاً عن نص نثري عن علاقته بالقصيدة، بعنوان : "أوفى مني لي، أصدق مني عني"، ويقع في ختام الكتاب. تدور القصائد حول موضوعات مختلفة، بين الحب والقصيدة و"الربيع العربي". يكتب في قصيدة المقطع التالي :

"أيها المنادى، هل تسمعني؟

هل تعرف أن الكلمات لا تعوِّض حياةً مبددة، مؤجلة، لم يفزْ بها من انتهى إلى أن يكون حشوة في شتيمة، أو قذيفة في نكاية، أو حزاماً حول خصر هاوية.

 

أيها المنادى، الذي لا يأبه بما أقول

فيما يجلس قبالتي :

عانقْني، في قبلة مسمومة

في لقطة أخيرة : أخرجُ فيها من المشهد

فيما توزِّع أوراق موتي".

لداغر أكثر من أربعين كتاباً، بالعربية والفرنسية. ولقد كتبَ الشعر وترجمَه ودرسَه، وكتب الرواية وترجمَها ودرسَها، وأصدر كتباً في الفن الإسلامي والفن العربي الحديث. ويعتبر داغر من مجددي قصيدة النثر في العالم العربي، وعدَّه بعض النقاد رائد "ما بعد قصيدة النثر". له ما يزيد على عشر مجموعات شعرية، وخمس مختارات شعرية، منها أنطولوجية بالفرنسية، وله مجموعات من قصائد مترجمة إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية واليابانية وغيرها. واختيرت قصائد من شعره في أكثر من أنطولوجية، عربية وأجنبية، عن الشعر العربي الحديث، بين فرنسية وألمانية وإنكليزية (الولايات المتحدة الأميركية) وغيرها. وكان شعره موضع درس في بحوث محكمة، عربية وأجنبية، وفي أطروحات جامعية.

اعتنى بدرس شعره أكثر من ناقد، ومنهم الدكتور مصطفى الكيلاني الذي أصدر بالعربية كتاباً دراسياً عن شعره: "شربل داغر: الرغبة في القصيدة" (2007). كما اعتنى فنانون بشعره، ونظموا حوله معارض تشكيلية، وأصدروا عنها كتباً شعرية-فنية، ومنها معرض جامع لسبعة فنانين عرب في "المتحف الأردني للفنون الجميلة" (2003). كما ترجمَ داغر العديد من الشعراء: رامبو، ريلكه، ليوبولد سيدار سنغور، أندريه شديد، وأعدَّ وترجم أنطولوجية في الشعر الزنجي-الإفريقي المكتوب بالفرنسية.

يكتب داغر في نص مرفق بالكتاب : "هذا القول يخصني كما لو أنني أخاطب نفسي، على أن القصيدة تردُّ لي صوراً أخرى غير صوري نفسها. أقف إزاءها، إلا أنها تجعلني شخصاً آخر، وتجعل الأشياء تتكوَّن وتتشكل وتتساقط أمام أنظاري مثل عالم أثيري وأخاذ. لهذا كتبتُ غير مرة أن كتابة القصيدة – وإن لم تصدر عن حالة حب – هي حالة حب في حد ذاتها : حالة حب للغة نفسها، لما يتشكل منها، على طرف أصابعي، على أنه مني ومن غيري في الوقت عينه.

هذا ما يجعل الجسد جسداً آخر، له تشكلات مزيدة وهيئات غامضة لا تلبث أن تظهر قبل أن تمحي.

فالشعر هو أبعدُ اشتغال ممكن باللغة وفيها، ما يشكل التحقق الجمالي الأوسع لها وفيها : القصيدة مولودُ حُبِّ اللغة. هذا لا تتيحه أي محاولة كتابية أخرى، إذ تكون اللغة فيها "مستعمَلة"، فيما تكون اللغة، في الشعر، إمكاناً آخر للغة. فأنا لا أرى إمكاناً للقصيدة من دون "حُب اللغة"، بل أرى في الحب هذا ضمانة أكيدة للشعر. وهو ما أشعر به كيانياً، وجودياً، مثل متعة تكتفي بتحققها، ما تعني : النعمة نفسها".

(موقع "كيكا"، لندن، 21-2-2016).