إذا كان لي أن أبتدئ بتقديم مُمكن لتجربتي الشعرية، فلا أجد أنسب من الكلمة المقتضبة التي تقع على الغلاف الأخير من مجموعتي الشعرية الأولى : «فُتات البياض» (1981). تشير الكلمة إلى رغبة في الخروج من «أسلوبية قصيدة النثر كنوع شعري»، من جهة، وتشير إلى رغبة في التوجه صوب «حالات الكتابة، أو الكتابة المتعدّدة»، من جهة ثانية. هذه البداية لا تَرسم مآل التجربة الشعرية بعد ست عشرة مجموعة شعرية، وما يزيد على عشرة انطولوجيات ومختارات لشعري بالعربية وبلغات عدة أجنبية، لكنها تحدد شاغلًا بنائيًّا، وهاجسًا تعبيريًّا، يمكن التحقّق منهما في أعمالي الشعرية، أو فيما كُتب عنها في أطروحات وكتب ودراسات عدة محكمة.
ما يعنيني التشديد عليه هو أنني رغبتُ، منذ تشكلات وعيي النقدي للشعر والقصيدة، ولِما أكتب وأميل إليه، في الخروج من «النوع المقفل» للقصيدة بالنثر (كما أسميتُه)، مع تجاربها العربية الأولى، وفي التوجه صوب قصيدة تستجمع في مبانيها أنواعًا وأساليب كتابية مختلفة. وهو ما يتجلّى، في امتداد مجموعاتي الشعرية، في التعدّد الكتابي، بين سرد وتمسرح وحوارية وغيرها، فضلًا عن الانهمام البصري بتشكّل القصيدة.
هذا يعني، قبل ذلك كله، انصرافًا إلى القصيدة بوصفها : لحظة، بين تغوير وتحليق، بما يُمثّل التعبيري في التاريخي. فالشاغل البنائي يعني العمل على تجديد شكل القصيدة بعد طول احتباس لها في العربية، على أن يلاقي الشكلُ تهدجاتٍ الصوت، وأحوالَ الحضور التي تعانق الوجودي والفردي، لا الاجتماعي أو القومي.
( مجلة "الفيصل"، السعودية، 2023 (