حاولتُ أن أقرأ كتاب "أيتها القصيدة جديني فيك" (منشورات "باب الحكمة"، المغرب). هو كتاب صنفه شربل داغر على أنه متن شعري. إلا أنني لما تصفحت الكتاب مرات عديدة وجدت نفسي أمام متن يتحدى النص الشعري. لأن شربل داغر أعجز المتن الشعري على احتواء ذلك البناء اللغوي الذي أسميه بالمدهش، لأنه تمرد على علم التركيب وعلم البلاغة وعلى القوانين اللغوية التي سطرتها اللسانيات. فشربل داغر أسس لمتن لغوي مدهش فعلا، إذا قرأت أول الجملة يستحيل أن تتوقع آخرها. فهل هو متن لغوي شعري فعلا ؟ نعم، في بعض مناحيه، ولا في الكثير من أطرافه. هو فعلا في بعض الأجزاء يبني لغة شعرية يمكن إخضاعها لملامح الشعر المتحرر، الذي تمرد على البناء الشعري العربي القديم بعروضه وبقافيته. إلا أنه، في بعض الأجزاء، يخرج عن النمط الشعري لينتج لغة تتحدى جميع ملامح القصيدة الحداثية. لذلك نجده يتحدث في عنوان الكتاب بصيغة الأمر، ويقول : "أيتها القصيدة جديني فيك". هو يأمرها بنوع من الإستعطاف، علها تقبل أن تجد له مكانا في باب من أبواب الشعر العربي الحديث. و هنا أطرح المشكل الذي أود طرحه وهو : هل شربل داغر هو المشكلة أم القصيدة رغم تحررها هي المشكل ؟ وهنا يمكن أن أقول رأيي المتواضع : في الحقيقة شربل داغر هو المشكل، لأنه هو الذي اختار القصيدة وليست هي التي اختارت. شربل داغر الإنسان نسقٌ شديد العمق، شديد التدقيق في ذاته، التي تبقى هي مشكلته. نعم ذاته تدهشه، لأنها شاسعة شساعة تخرج عن المألوف، لتمتد في أعالي السماء، وفي قلب الأدغال، و فوق سطح البحار ، فلا تجد مرفأ، وتبقى أشرعة سفينته تعانق الرياح لكي لا تقف على شط.

المشكل فقط تأملي، وهو تأمل في اللامحدود، في اللامنتهى، في عمق أنا لم تجد قعرا فتقف عليه. هي تمتد في عمق سحيق لا نهاية له، أو في فضاء خارج الأرض في اللامنتهى. ما هي القصيدة التي ستستطيع أن تحتوي هذا الشكل الغريب من الأحاسيس المتجددة المثالية.

هو ليس بحزن. هي ليست عقدة. وليست حتى استرخاء. إنه تأمل متوهج، شديد، وعميق.

لذلك قد يكون الفن التشكيلي هو الأقرب في احتواء هذه الطاقة الإبداعية، التي تخرج عن سيطرة اللغة، لتجد نفسها ربما في تمازج الألوان، في قلب الفن التشكيلي. ربما لن تستطيع القصيدة أن تستجيب لاحتواء شربل داغر في الكثير من الأحيان.

(من صفحة الكاتب المغربي في الفيس بوك، 22 شباط-فبراير 2024).