أكّد المفكر والشاعر الروائي اللبناني د. شربل داغر أن الكتابة تفتحُ له دروبًا وسبلًا، وتسعى خطواته فيها من دون مسبقات، مضيفًا أنه لولا الحرب الأهلية في لبنان، لما انصرف إلى عالم الكتابة بهذا المقدار، فالكتابة عنده ليست تعويضًا عما فات، أو تهدمَ، إلا أنها قد تُمَكِّن الكاتب، في بعض كتبه، من استبيان البنية الطائفية السياسية، والمحددات القَبْلية، التي تكشفت في أتون الحرب الممتدة.
وداغر المولود في 5 مارس 1950م شاعر وروائي وناقد لبناني، ويعد من أبرز الأسماء الأدبية في الساحة اللبنانية والعربية، وأستاذ في جامعة البلموند في لبنان، وخريج جامعة السوربون الجديدة، ويحمل شهادتي دكتوراه في الآداب العربية الحديثة وفي فلسفة الفن وتاريخه. وله أكثر من ثمانين كتابًا، فضلًا عن مئات البحوث المحكَّمة والدراسات والمحاضرات والمقالات، بالعربية والفرنسية، أو المترجمة إلى لغات أخرى. وتوزعتْ إسهاماته على: الشعر، والرواية، واللغة، والنظر الجمالي في الأدب والفن، والتاريخ، والترجمة. فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب (الفنون والدراسات النقدية 2019م). كما فاز بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في فرع (اليوميات) عن كتاب «الخروج من العائلة»، وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
• في البداية حدثنا عن معالم العلاقة بين الشاعر والناقد في عالمنا العربي؟ وما الدور الذي لعبه الشعراء في التعريف بالمنجز الشعري، مقارنة بالناقد الأدبي أو الأكاديمي؟
- سؤال يرسم مشهدًا ثقافيًا واسعًا، ولا أعرف مدى قدرتي على الإحاطة به. ما يمكنني قوله هو مجموعة من الملاحظات التي قد تتوفق في تعيين معالم في هذا المشهد، وفي تقاطيعه.
يمكن التحقق، بداية، من وجود هوة بين عالم النشر الشعري وعالم النشر النقدي. فالإصدارات الشعرية تتتالى، فيما لا نجد الدراسات الخاصة بالشعر تتتالى بالمقادير عينها. كما أننا لا نتابع عروضات نظرية أو سجالات لافتة في ما يخص درس الشعر: كما لو أن عالَم الشعر هو عالَم الشعراء، وما يدور في ثناياه، ليس إلا! وهذا أمر ليس بالمناسب، ولا يوفر للشعر كما لدرسه مناخات مناسبة لتطوره وتقدمه.
إلا أن ما يستوقف، في وصف هذا المشهد، هو أن عددًا بالغًا من الشعراء، السابقين أو الحاليين، يتكفلون بمهام الدرس النقدي والأكاديمي في أحوال كثيرة. هذا ما أمكن التحقق منه مع أمين الريحاني ونازك الملائكة وجبرا إبراهيم جبرا ونذير العظمة وأدونيس وغيرهم. وقد يفسر الأمر إقبالُ بعضهم (مثلي) على تحصيل شهادة الدكتوراه، ثم على اختيارها مهنة لهم... إلا أن لهذه الخيارات أسبابًا أخرى يمكن التحقق منها، وهي تتعين في طبيعة الشعر العربي الحديث. إنها حالة جديدة، ليس لها من شبيه في الثقافة الشعرية العربية القديمة: المتنبي، وحده، بين الشعراء القدامي اعتبروه في عداد «العلماء»، فيما لم يبلغنا عن هؤلاء الشعراء إلا آراء متفرقة هنا وهناك عن شعرهم أو عن شعر غيرهم.
أما في الزمن الشعري المتأخر، فالأمر مختلف، في الثقافة العربية كما في ثقافات أجنبية مختلفة. وهذا يتأتى من طبيعة الحداثة نفسها، حيث إنها أصبحت ميدانًا وأداة لبلورة الشعرية، أو خيارات القصيدة نفسها. وهو أمر يمكن التحقق منه، في ميدان الفنون التشكيلية، حيث إن أعدادًا من المصورين الحديثين كانوا من نقاد ومنظري هذه الفنون، على الأقل منذ بزوغ المدرسة الانطباعية. فقد باتت العلاقات مطلوبة وحيوية بين الإبداع وبين نقده، بل بين صنوف التجديد المختلفة وبين النظرية المناسبة لها.
هذا ما تجلى، إذن، في كتب ودراسات، لدى شعراء وشعراء في العالم العربي، وتمثلت في إنتاجات رسمت حدودًا بين ما هو «حديث» وبين ما هو «ناقص الحداثة» (إذا جاز القول)، أو «ضعيفها». بات مشهدُ الشعر مشهدَ سباقٍ وتنافسٍ، أشد مما كان عليه في العصر العباسي، وبات الشعراء يتوكلون على عدة النظرية، وعلى الموقف الأيديولوجي، وعلى السند الفلسفي، وغيرها، لكي يجعلوا من القصيدة أكثر من علامة شعرية، إذ باتت (في نظرهم) علامة على ما هو أفق التقدم، إذا جاز القول. ولهذا فإن كثيرًا من نقد الشعر، من قبل شعراء، تهاوى منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي، إذ كان سندُه النقدي أو الأكاديمي أيديولوجيًا، بل سياسيًا في أحوال عديدة. هذا لا يشمل، بالطبع، مجهودات شعراء بصفتهم الأكاديمية، عندما عملوا على درس الشعر والقصيدة درسًا مختلفًا، يقوم على التأكد من تاريخيتها، من جهة، ومن تعبيريتها، من جهة أخرى.
ما يمكن للمتابع ملاحظته في العقود الأخيرة، هو أن القصيدة نفسها باتت عند شعراء ونقاد كثيرين الميدانَ الذي تدور فيه تلك العلاقات بين الدرس والتعبير، إذ بات إنتاج القصيدة خيارًا نظريًا قبل أن يكون خيارًا تعبيريًا، ما يعكس، بالتالي، تلك التواشجات العميقة بين القصيدة والنظرية.
الأدب الشعبي
• صدر لك مؤخرًا كتابك «حكي العوام». حدثنا عنه وعن ظروف كتاباته؟
- هذا كتاب أعتز بأنني تمكنت من إنجازه بعد سنوات وسنوات من التجميع والدرس، فهو لجهة ميدان اشتغاله، عملٌ بحثي وتاريخي في نطاق ما يُسمى: «الأدب الشعبي» أو «الفولكلور»، ولقد وجدت، بداية، أن تصنيفه هذا استعادة لمسميات وتصنيفات أوربية، من دون فحص مناسب لما هو عليه هذا الأدب في الثقافة العربية القديمة خصوصًا. فقد أمكن التحقق من أن هذا الأدب لا يتمتع بأحوال «ثابتة» لجهة مادته، وأسلوبه، وتعابيره، إذ بدا متغيرًا ومتحولًا بين أيدي، وفوق ألسنة من انكبوا عليه، وهم: الحكواتيون في المقام الأول. هذا ما اتضح في سلسلة متتابعة من عمليات المعاينة التي أظهرتْ بأن إنتاجات هذا الأدب خضعت لعمليات «تملك» متغيرة. وأظهرُ دليلٍ على هذا، ما أصاب «ألف ليلة وليلة» بين أصلها الهندي، ثم الفارسي، والصيغ العربية المختلفة لها. وهو ما يكشف أن ارتكازات ما قام عليه الدرس، العربي والأجنبي، لمواد هذا الأدب ليست أكيدة، ولا مناسبة بدورها لفهم التداول الذي أصاب تعبيرات هذا الأدب في مجتمعات وثقافات ولغات وعصور... هذه العمليات التحويلية المتمادية لم تكن عملياتِ حفظِ أو فقدانِ أصول هذا الأدب، وإنما عنتْ خضوعها إلى محددات وقيم متأتية، على الأقل، من جانب الأدب الفصيح، من جهة، ومن جهة الفقه، من جهة ثانية. فهذا الحكي، الذي درستُه، توجهَ إلى العوام، وإن قام به أصحاب مقدرات أدبية وفصيحة، وهو ما جعل النظر الأدبي والبلاغي القديم لا يلتفت إليه بالمطلق. سؤال واحد، بسيط وكاف: لماذا لا نجد في الأدب العربي القديم غير مواد سردية وحكائية معدودة للغاية؟ ألم يكن عالَم السرد، أو ألم ينتهِ إلى أن يكون عالم العوام، المبعدين عن عالم الأدباء الفصحاء ذوي المكانة في مجتمع الخاصة؟
موقف متشكك
• برأيك لماذا وقف الفقهاء موقفًا متشككًا من السرد، من الحكاية، ومن عالم العوام؟ ألم تكن تنبيهاتهم واجتهاداتهم مانعًا حالَ دون ظهور السرد بالمعنى التأليفي والفني في الأدب القديم؟ ألم يكن مثل هذا الإبعاد تعبيرًا عن شيوع الحكاية وأنواعها المختلفة في عالم العوام؟
- لقد سعيتُ، في كتابي، إلى أن أنظر إلى الأدب من ناحية الفقه، وهو أمرٌ قلما انصرف إليه الدرس في السابق. كما سعيتُ إلى درس مواد هذا الأدب الحكائي وفق أنماطه التأليفية والبنائية، وهو ما لم يُعرْه الدرس السابق اهتمامًا ضروريًا به، فاكتفى بتناول عالم الحكي تناولات تأويلية أو نفسية، منتزعة من سياقاتها التاريخية والاجتماعية.
• وماذا عن الجزء الثاني من سيرتك الذاتية التي خرجت تحت عنوان: «الخروج إلى الشارع»؟ وماذا الجديد فيها عن الجزء الأول «الخروج من العائلة»؟
- يستعيد هذا الجزء من سيرتي سنواتي الجامعية في بيروت، والسنة الأولى إثر انفجار الحروب في لبنان، أي قبل انتقالي للدرس والعيش في فرنسا. وهي سنوات تكوينية، بل إظهارية لما ستكون عليه خطواتي الأولى في الحياة، في الأدب، في الدرس وغيرها. وهي خطوات في الشارع، إذ كشفتْ عن ميلي إلى التخالط بمن لم يكونوا من بيئتي، لا السكنية، ولا الطائفية، ولا الثقافية، ولا الاجتماعية. سنوات وممارسات ومساع للاندماج مع غيري، وللاختلاف مع غيري : في ما يمكن أن تكون عليه الثقافة، والقصيدة، والوطن، والأفق. خرجتُ إلى الشارع بهذا المعنى، لكنني لم أبلغ أي مدينة، بل مجموعة من الأحياء ذات التمايزات الجلية أو الكامنة، ما جعل محدداتِ الانتساب إلى بلد، إلى مستقبل، مهتزة، بل أظهرت الخفي من بنية سياسية وطائفية تهاوت على عجل أمامها مشروعاتُ الأفق المدني، الذي كنتُ أعمل في سبيله.
• غالبًا ما تكون السيرة الذاتية هي آخر ما يخطه قلم الكاتب، فهل «الخروج إلى الشارع» ستكون آخر ما يكتب شربل داغر؟
- قد يكون الأخير في سرد سيرتي الذاتية، لكنه ليس الأخير في ما أكتب، وفي ما سيصدر لي في قادم الشهور. أما الكتاب الأخير الذي سأكتب، فقد لا أكتبه، لأنني لا أعرفه، ولم أخطط له.
تعدى عدد كتبي الثمانين كتابًا. هل أستمرُ في الكتابة ما دامت الحياة متاحة؟ لا أعرف، مع أن شغف الكتابة لم ينقطع عندي، لا في الشعر والرواية، ولا في النقد والبحوث.
مَن يدري قد أتوقف عن الكتابة من دون سابق إنذار، لا لشخصي، ولا لغيري؟ من يدري قد أنشغل بفراشة تقترب من الضوء، وأخشى عليها من أن تحترق عند اقترابها المزيد منه؟ من يدري أفي الإمكان غيرُ ما كان أو اتخاذ وجهة أخرى لما كانت عليه حياتي، وكتاباتي؟
• حدّثنا أيضًا عن كتابك «الشعر العربي الحديث: القصيدة بالنثر بين البناء والشرعية»؟
- هذا الكتاب يقترح قراءة تحليلية نسقية للقصيدة بالنثر، بعد أن تحققتُ، في تدريسي أو في مدونة النقد، من افتقارها لما يمكن تسميته بالقراءة النقدية لللقصيدة بمجموعها. فكثير من الدرس المتأخر لهذه القصيدة اكتفى بتناولات جزئية، أو بتأويلات تفسيرية لها، من دون أن تنعم هذه القصيدة بدرس يستوفي فحصَ أبنيتها المختلفة.
كما اعتنيتُ بجانب آخر، وهو: شرعية هذه القصيدة. فهذه القصيدة نفاها شعراء ودارسون عرب خارج الشعر والشعرية، وفق أقيسة عروضية، أو مستقاة من سابق الشعر وحده. وهو ما قادني إلى وضع مقاييس الشعر والشعرية (كما صاغها متنٌ نقدي وبلاغي قديم)، في مدونة القصيدة بالنثر، للنظر في شعريتها، وبالتالي في شرعيتها. ولقد انتهيتُ، من هذا الفحص، بخلاصة هو أن هذه القصيدة أغنت شعرية القصيدة العربية، إذ وسعتها وجددتها، كما جعلتها تضيف إلى ديوان العرب قصيدة ذات شرعية، بالتالي، ومفعمة بالحياة والتجدد.
الشعر مثل الحب
• فعل الكتابة الشعرية له مؤثراته الذاتية والخارجية، ترى ما الذي يدفعك للكتابة الشعرية؟
- الشعر، عندي، هوى، مثل الحب. قد يكون لنا في حياتنا، في هذا الجزء منها، هوى وقد لا يكون. هكذا هو الشعر عندي، نوع من الحب الذي يستبد بي، فلا يشغلني عنه أي أمر آخر في حياتي، هو استفاقة الصباح بحثًا عن الحبيبة، وهو مصاحبتها إلى فنجان القهوة الثاني، وافتتاحُ شهيةٍ فوق مائدة الرغبة في القصيدة. هذا الهوى يستدعيني، فأطيعه. ويستنفرني، فأشحذ له أقوى ما في عزمي. ويدعونني إلى الرقص، فأتشارك معه في إيقاعات النفس والخطوة والضَّمَة. لهذا فإن هناك ما يسبق القصيدة، فأجدها محتشدة به، ومكتنزة، وعامرة، بما حملتُه من دون أن أدري، ومما راق لي من دون أن أرتبه في دفتر ذكريات. لهذا تبقى القصيدة نَفَس الانفعال إذ أتفقد الكلمات، وتستبقيني في غمارها الدافئ.
• كيف ترى القصيدة العمودية في ظل الواقع الراهن الذي يتغنى بالحداثة؟
- أرى أنها قد انقضت منذ زمن، على الرغم من التماعات سعيد عقل ومحمد مهدي الجواهري الأخيرة فيه. ولا يفيد، بالتالي، العمل على بعث الحياة فيها، بالملايين من الدولارات والبرامج والسهرات والجوائز. هذا في الوقت الذي لا يتم فيه تخصيص جائزة كبرى واحدة للشعر. هذا مؤسف للغاية، ليس في حق القصيدة فقط، وإنما في حقوق الثقافة العربية والذائقة العامة كذلك. يتحدثون عن الرواية، وعن انتشارها، وعن انصراف مزيد من الدارسين إليها، إلا أن هذه كلها - وغيرها أيضًا - الصحيحة، لا تساوي عالي الجمالية الذي توفره القصيدة. الرواية تخبر، تفيد، تسلي، تمتع، تضعنا أمام «امتحانات» صعبة، مؤلمة، إلا أنها لا تبلغ جمالية القصيدة أبدًا.
• هناك من يعتبر قصيدة النثر مجرد خواطر شخصية؟ وماذا قدمت قصيدة النثر للشعر العربي؟
- ما يقوله البعض صحيح في بعض شعر هذه القصيدة، إلا أن ما لا ينتبه إليه هذا البعض، في قولهم هذا، فهو أنه يحتكم إلى مثال شعري إجماعي، وهو ما لم يعد قائمًا في صنوف الإبداع المختلفة. لم يعد للشعر مثالٌ واحد، ولا جمالية واحدة، ولا تجليات جمعية واحدة. بل يمكن القول إن القصيدة بالنثر أخرجت الشعر من نطاقه العمومي والمجلسي والمنبري إلى نطاق أكثر فردية وحميمية. وهي بالتالي قصيدة تناسب القارئ، لا المستمع، والكتابَ، لا أمسية الإلقاء.
• تتهم قصيدة النثر كونها انقطاعًا عن التراث وخلعًا للجذور والهوية... كيف ترى ذلك؟
- هي كذلك في نظر من يَخشون على كراسيهم في صالون الشعر، وعلى مكاناتهم في ثقافة الشعر العربي، القصيدة بالنثر تقطعُ بشكل أكيد مع إرث شعري قديم، بل تدير له ظهرها، مثلما فعل شعراء في سابق الشعر العربي القديم. إلا أنها لا تقطع مع اللغة العربية، بل تتنفسها تعبيرًا بشكل مختلف. وهي تكون، في هذا، تنتج جديدًا في الهوية المتحولة والمتجددة للقصيدة العربية.
أزمة الشعر العربي
• لا شك في أن الشعر العربي يجتاز أزمة عميقة ومتشعبة. هل توافق أولاً على أن الشعر العربي في أزمة؟ وكيف ترى تجلياتها وكيف الخروج منها؟
- المجتمعات العربية هي التي تعايش واقعًا أزمة عميقة، ومنها علاقتها بالشعر. فالسؤال المربك لا يتمثل في ما ينتجه هذا الشاعر أو ذاك، على أن فيه أصل الداء، بل يتمثل في الابتعاد الواعي والمتعاظم عن الشعر، في تلقيه وشروط تلقيه. لماذا لا يتم توجيه سؤال الشعر، وأزمته (كما يتم الحديث عنها)، إلى أصحاب السياسات، إلى واضعي برامج التعليم، وإلى مؤسسات التعليم، لا سيما الجامعية، وإلى معاهد البحوث والدراسات، وإلى دور النشر ومؤسسات الإعلام وغيرها؟ أليست هذه هي من تُوفر، أو لا توفر، شروط تلقي القصيدة التلقي المناسب لها؟
فنان مختلفان
• كتبت الشعر ثم كتبت الرواية، هل يقول السرد ما لا يستطيع الشعر قوله؟
- الشعر والسرد فنان كتابيان وجماليان مختلفان، مثل الإمكانات المختلفة لهذه الآلة الموسيقية أو تلك. يضاف إلى هذا أن القصيدة هي تعبير انفرادي، قد تناسبه أو تكفيه آلة واحدة، على الرغم من اصطخاب التموجات التعبيرية فيها. أما الرواية، فهي سردية تقترب من التاريخ، ومن المجتمع، بصور تمثيلية له، حاصلة أو منتقاة أو متخيلة، ما يجعلها تقترب أكثر من ذاكرة الجمهور.
أرتاح إلى كتابة القصيدة مثلما أرتاح لكتابة الرواية، ما دمت لا أخلط بينهما، ولا أجعل هذه بديلًا عن تلك. لكل نوع منهما لذته الخاصة، حيث هي فجائية، بل صاعقة أحيانًا، مع القصيدة، فيما هي تخطيطية في الرواية من دون أن تنفي المفاجآت فيها، حتى لدى كاتبها.
الرواية تنعم بجمهور أوسع، ليس لأنها أكثر جمالية أو فنية، بل لأنها تلاقي القارئ المتوسط، المتعاظم الحضور مع إلزامية التعليم، في غالب بلدان العالم. أما القصيدة، فقد افتقدت إلى غير رجعة عالَم البلاط والمجالس في الثقافة القديمة، أي عالم الخاصة من المتأدبين، فيما لم يعد الشعر مادةَ التعليم والثقافة كما في الثقافات السابقة.
• إلى جانب كتاباتك النقدية تُعرف بكونك من أحد أهم الشعراء والنقاد في لبنان والعالم العربي وصاحب مشروع شعري وفكري ونقدي. كيف تم ذلك وقد عشت في زمن الحرب الأهلية بكل أحلامها وانكساراتها؟
- لا أحب الحديث عن «مشروع شعري»، في ما يخصني، ما دمت أتحدث عن أن قصيدتي هي تكوين لحظة، ليس إلا، وتتلمس عالَمًا يأتيها من دون أن تقصده بالضرورة. أما الحديث عن الحرب فمناسب في هذا المجال.
أقول لنفسي أحيانًا إنني، لولا الحرب، لما كنتُ انصرفت إلى عالم الكتابة بهذا المقدار. فالكتابة ليست، عندي، تعويضًا عما فات، أو تهدمَ، إلا أنها قد تُمَكِّن الكاتب، في بعض كتبه، من استبيان البنية الطائفية السياسية، والمحددات القَبْلية، التي تكشفت في أتون الحرب الممتدة. أي أنها مساع في الكتابة، في البحث التاريخي والاجتماعي، تسعى إلى كشف انسداد الأفق المحلي بين مكوناته المحلية، وتشابكها، بل خضوعها المتعاظم لقوى خارجية، ما يجعل البلد غير ممكن التسوية والبناء بين ممثلي جماعاته، من جهة، وخاضعًا لاهتزازات من محيطه لا قدرة له على تحملها، من جهة ثانية.
أما مع القصيدة، فميدانها مختلف، إذ تقوم في النفس، في أحوالها وتقلباتها. وهي عيش للحياة في ثنايا المفردات، بحيث تكون حياة مزيدة.
• ما أبرز التحولات الجمالية والفكرية التي رافقت تجربتك الشعرية في علاقتها بتجارب الآخرين، لا سيما من أبناء جيلك؟
- اختلفنا، في جيلي من الشعراء، ولا نزال. جمعتْنا القربى في السياسة أحيانًا، أو في كوننا نختلف عما سبقنا من شعر وشعراء، هكذا جرى النظر إلينا منذ نشر شعرنا الأول في أوائل السبعينيات.
اللافت أن غالب أصوات هؤلاء الزملاء تأكد مع توالي السنوات والتجارب، ولم يتوقف، بل جعل التنافس قائمًا بين أعضائها: بين مواكبة صوت جماعي بتعبير فردي، وبين الانصراف إلى تعبير فردي ذي شواغل تأملية.
هذا يعني وجوب الانصراف والإنصات إلى ما تقوله قصائد هؤلاء، على أن فيها من الفردانيات التعبيرية ما يستحق التوقف أمام كل تجربة منها على حدة. بل يمكن القول إن المشهد أصبح متنوعًا ومتعددًا، ولا يمكن جمعه في جامع وطني أو تعبيري مشترك. الأكيد أن في تجاربهم ما لا يحيل إلى مجموعات، أو فِرَق، بل إلى مساع في البناء المتباين، في تكوين خصوصيات وخيارات ومقترحات، قد تجد، في تحليل استقصائي، ما تشترك به، ما يخترقها، ويجمعها على تباعد، وعلى الرغم منها أحيانًا.
• كيف يمكن للشعر أن يلعب دورًا في تشكيل الوعي الاجتماعي والثقافي؟ وكيف يمكن للشعراء أن يؤثروا على التغييرات في المجتمع؟
- أعتقد أننا حمَّلنا، ولا نزال نُحمِّل الشعر أكثر مما يحتمل. لعلنا ننظر إلى الشعر، وخصوصًا إلى دور القصيدة، مثلما تجلت في الذاكرة العربية المتأخرة، أي في الذاكرة الناتجة عن العقود الأولى للاستقلالات العربية: ففي حمية ذلك الخروج إلى الشارع، إلى العلانية، إلى مثالات الوطن والسياسات، كانت للقصيدة أصواتها اللامعة، فيما لم تكن للأحزاب، والنقابات، ولقلة قليلة من «زعامات»، دورها الأكيد في رسم هذه السياسات. هذا ما استمر بعد ذلك في صورة «المناضل»، ثم في صورة «الشهيد» في كثير من الشعر الستيني والسبعيني، الذي واكب تشكلات السياسات المحلية وتعبيراتها. إلا أن هذه باتت من الذكرى، ولم تعد بقادرة على «تحريك» مناخ ما. فالتظاهر لم يعد بالمتاح، إلا في «هبَّات» نخطئ في تسميتها بـ«الثورات»؛ ولم يعد بناء الأحزاب والنقابات وتيارات الرأي ممكنَ التشكيل والفعالية.
أقول إن هذه كلها، وغيرها أيضًا، تعني تراجعًا عامًا في القدرة على التأثير، وفي تبديل معطيات السياق السياسي، ما يجعل البعض يفكر في. القصيدة. لنتأمل في الشعر السياسي حاليًا: أين هو؟ ماذا يحمل؟ بل السؤال الأدهى: هل القوى التي تعمل على «تحريك» الجمهور حاليًا مقتنعة أساسًا بجدوى الشعر والقصيدة؟ هل هي قوى تتناغم مع القصيدة الحديثة؟
إطلالات سريعة
• ما هي المفاهيم الثقافية الرئيسية التي تتجلى في قصائدك؟ وهل تؤثر تجاربك الشخصية وخلفيتك الثقافية على إبداعك الشعري؟
- يحتاج الجواب إلى غيري للرد عليه، إذ إنني، ما إن أنتهي من قصيدة أو مجموعة شعرية، لا أعود إليها إلا قبل طبعها، من دون أن أعيد النظر فيها بالضرورة: تبدو القصيدة منتهية منذ وقت.
يتاح لي فقط، عند إعداد مختارات شعرية، أو عند ترجماتها إلى لغات أجنبية، أن أحيل النظر في قسم واسع من شعري. إلا أنها إطلالات سريعة، لا أجد فيها مسارًا متجمعًا حول قضايا أو «محطات» بعينها. ما أجده فيها ينشغل، في قسم واسع من قصائدي، بكيان القصيدة، أي في أن لكل واحدة منها ما يؤسسها، ويبنيها، مثل شاغل جمالي، قبل أي شاغل آخر. وأجد أحيانًا أن هذا الشاغل لا يعدو كونه شاغلَ الحياة نفسها، أو التلذذ فيها، أو الرغبة المزيدة فيها. فما تقوله القصيدة يتعين فوق لسان المفردات، مثل كون أكتشفُه على قدر تقدمي فيه. فأنا، في شعري، لا أستعيد ما جرى، أو ما يمكن «ترجمته» عما عشتُه أو فكرت فيه، بل أجدني أتقدم في الطريق عينها، ولكن بخطى مختلفة.
ففي شعري، يمكن الحديث عن إلحاحات في المعنى، عن هوس، ما له أن يستقبلني في قصيدتي، بل أن أتحقق منه عند الانتهاء منها. لولا الحياة في القصيدة، وبها، لما كانت لي رغبة في الشعر على الأرجح.
• هل تحن إلى تلك الأزمنة عندما كان الشعر فيها سيد الأنواع الأدبية، وكان الشاعر محاطًا بهالة من الأضواء؟
- لست حزينًا لحالي كشاعر، ولا أحن إلى أيام الشعراء القدامى، الذين تسولوا بشعرهم، وذاقوا السم والقتل بسبب تعبيرهم. يضاف إلى ذلك، أن من يتابع الشعر - على قلته في حساب كثيرين - يفوق مؤكدًا عدد من كان يتابع الشعراء في العهود البعيدة. الشعر، اليوم، على مصاعبه، يلقى متابعين وقراء له أكثر كثرة من الشعراء القدامى.
• كيف يعيش شربل داغر التعدد الثقافي والإبداعي منذ البدايات من الشعر إلى الرواية، ومن النقد الشعري إلى النقد الفني وكتابة السيرة الذاتية وأيضا أدب الرحلات؟
- هذا لا يزعجني، بل يجددني وينوع إقبالي على الكتابة. اعتدنا على صورة نمطية للكاتب، سواء أكان شاعرًا أو روائيًا أو دارسًا أو غير ذلك. هذا ما لم أعرفه منذ بداياتي الكتابية، التي كانت مسرحية في أولها... ما يعنيني هو أن أوفر لكل نوع كتابي أُقدِمُ عليه ما يناسبه من انصراف تأليفي، على أن أسعى إلى تقديم ما هو جديد ومفيد بالتالي.
التجديد شاغلٌ في كل ما كتبتُ، مدركًا أن الكثير مما بتنا نكتبه مختلفٌ عما كانه الأدب في الثقافة العربية القديمة. وهذا يعني، بداية، التعرف والتأكد مما يقوم عليه كل نوع كتابي جديد، والسعي بالتالي إلى تطويره وفق مقدراتي ونزعتي إلى تطوير الأشكال الكتابية.
هذا ما لا يستقيم من دون منظور تجديدي، كما قلتُ، ومن دون عناية بلغة التعبير أو التفكير نفسها. فمن دون تجديد اللغة، لا قدرة للفكر، ولا للإبداع الكتابي، أن يتجدد.
• مَن يقرأ لشربل داغر الروائي، يكتشف أن اللغة الشعرية تطغى على نصه: إلى أي حد ترى أهمية وجود الشاعر داخل النص الروائي الذي يكتبه؟
- لا أعتقد بأن لغة الشعر تطغى على كتابتي الروائية. الأكيد أنني أعتني بلغة السرد، على أن تكون ملموسة، ومحسوسة، وملازمة لموضوعها الحكائي في زمنها التاريخي والاجتماعي. كما أعتني، في الرواية، ببلورة شكلها، بل انتسابها إلى الأدب بالمعنى التأليفي والجمالي. فمن يتابع الكثير من الروايات العربية الحالية، يتحقق من أن لها ما تحكيه، ما ترويه، من حكايات وأوضاع وأحوال، ولكن من دون أن يتجلى ذلك في قوالب أدبية مناسبة.
فضاء الحداثة
• العرب ليسوا غرباء عن منابع الحداثة إذا ما اعتبرنا أن الحداثة نتاج سياق تاريخي طويل حلمت به البشرية منذ أقدم العصور، لكن لماذا فشل العرب في الانخراط في فضاء الحداثة كنظام فكري علمي وتقني وقيمي وسياسي حتى الآن؟
- أعتقد أن الثقافة العربية تحتاج إلى إعادة النظر في ما كانت عليه، وفي ما تتوخى الوصول إليه. أبدأ بنظرة تاريخية لازمة في أي منظور بين الأمس واليوم: طوال قرون وقرون، وحتى نهاية الحقبة العثمانية، لم يكن العربي في موقع المبادرة، ولا الفعل، ولا القدرة على التمكن من أحواله، خصوصًا مع بنية تقليدية، مكرورة، يتشكل فيها العرب، في غالبيتهم الساحقة، في مجموع: العوام. هذا ما أصاب الخاصة منهم كذلك، حيث إن الأدباء والعلماء والفقهاء والإخباريين منهم، عاشوا على اجترار ما كان تقليدًا، بحيث تراكمَ المتراكمُ فوق متراكمٍ سابق لم يُعمَل فيه النظر، ولا التجديد، منذ قرون وقرون. أما ما حصل من تجديد في النظر الإصلاحي منذ مطالع القرن التاسع عشر، فقد نزَّهَ الماضي من دون نقدٍ له، في نوع من إحياءِ صيغةٍ للحضور العربي من جديد، لـ«السلف الصالح»، في سعي للتخلص الملطف من العثمانية والتركية تاليًا.
هذا الخروج من عتمة التاريخ تعينَ، في الحقبة الاستعمارية (في العقود الأولى من القرن العشرين)، في دول، في دساتير، في قوانين، غير متناسبة مع ما كانت عليه الجماعات العربية من أعراف وتقاليد و... طاعة للحاكم، أيًا كان. وهو ما تجلى بقوى بعد «الجلاء» إذ عادت البنية القديمة، التقليدية، إياها، إلى إنتاج ما اعتادت عليه، على الرغم من ظهور أحزاب ونقابات بقيت شكلية في غالب الأحيان، وغير فاعلة. أما الجديد الأكيد فهو صعود العسكريتاريا العربية إلى الحكم، إذ بدت القوة الوحيدة المنظمة في البنية التقليدية المذكورة.
هذا يحتاج كله إلى إعادة نظر، إلى إشغال العقل في المسائل المطروحة، لا إلى الاتكال على نظرة رومانسية قوامها الافتخار بكوننا «خير أمة»، وغير ذلك. أما المشاكل التي تعيق التقدم، والتطور، وملكية المواطن لمقومات حضوره وفعاليته، فهذه أمور تناولَها العقل، والعلوم الإنسانية، وهي ليست «وصايا» أو «وصفات عجائبية»، وهي لا تعني حُكمًا جعل الماضي أفقًا للراهن: كتبَ طه حسين، منذ ما يقرب على المئة سنة، بأن علينا عدم قبول ثقافة «ما ورد»، و«كما ورد». فأول ما نحتاجه هو إعادة النظر في المنهج الواجب اتخاذه في درس الأحوال، فلا نجعل مسبقات مفروضة على النظر بحيث نفكر في نطاق مغلق، فنجتر التراكم ليس إلا.
لا خلاص لنا
• هل ترى أن تنمية التفكير الفلسفي أصبح ضرورة عصرية ملحة للنهوض بمجتمعاتنا؟ لكن من أين نبدأ الإصلاح في ظل ما تواجهه الفلسفة من رفض وعدائية وتهميش بزعم أنها تتعارض مع الدين؟ وكيف نعيد الاعتبار لهذا العلم في ظل التوتر التاريخي في العلاقة بين العقل والنقل؟
- أعتقد أنه لا خلاص لنا، من دون إعمال العقل في المسائل التي تعترض سعادتنا مثل تقدمنا. والفلسفة من دون شك هي الوسيلة الناجعة في ذلك. ولا تعني الفلسفة وصفاتٍ، أو حلولًا سحرية، وإنما تعني تقوية ثقافة السؤال، وعدم التسليم بما ورد، كما ورد. هذا ما للتعليم أن يتولاه في مستويات التعليم المختلفة، بما يجعل الطالب متوطنًا في العالم الذي يعيش فيه، كما هو، لا في عالم متوهم من الخرافات والكائنات والتصورات. وهو ما لا يستقيم من دون تعليم الفلسفة سبيلًا إلى التفكر في الجامعات، بحيث تنمو ثقافة البحث، لا الحفظ والتلقين والتكرار.
هذا يحتاج إلى «ثورة تربوية» أكيدة، هنا وهناك، بحيث لا نخاف من العلم، ومن العلوم الإنسانية، ومن الفلسفة، في المقام الأول، إذ هي التي لها أن تجعل الطالب مواطنًا في العالَم، وبالشراكة والتفاعل مع غيره.
لهذه «الثورة التربوية» أن تجعل من الطالب مثقفًا، ومن الأكاديمي باحثًا، ولها أن تنشر لزوم المراجعات النقدية هنا وهناك، وعدم التلهي بصورة مَرَضية عن الذات، عما هي عليه، وعما في إمكانها أن تكون عليه. وأشدد، في هذا المجال، على وجوب تنمية علوم الإنسان، بما يوفر للدرس معاينات سليمة لما هو واقع أحوالنا، ولمشاكلنا، ولسبل الخروج صوب هناءة الإنسان. وهذا كله لا يتم من دون إطلاق التعليم في مناخات الحرية، التي لها أن تتكفل بأي بحث، من دون وضع نتائجه قبل مقدماته.
• هل أثرت الترجمات الشعرية السيئة على شيء من الوعي الأدبي العام... عندما نريد القول إن بعض المناهج النقدية والأساليب المعتبرة أتت من خلال التلاقح مع الأدب الغربي؟
- من دون شك. يزيد على ذلك أن كثيرًا من الشعر والرواية لا يترجم من لغته مباشرة، بل من لغة ثالثة، وهذه مفسدة للثقافة، والأدب، ولا يستقيم فيها أي تبرير أو دفاع، لا من المترجم، ولا من الناشر.
• هل الكتابة تمرد؟
- من المؤكد أنها تمردٌ، عصيانٌ، خروجٌ على ما هو سائد، صوب الجديد، والمخفي والمجهول. فالخنوع، والطاعة، والاستكانة، لا تُنتج غير البليد، والمتكرر، وعديم النفع. ومن يفكر في «ثورات» غير عالِم، في التاريخ، أو في القرون المتأخرة، يجد بأنها لم تقم من دون التخيل: تخيل ما ليس قائمًا، أو سائدًا، أو متبعًا. هذا يصح في الإبداع، كما في العلوم. إذ إنه يصاحب قوى الإنسان الكامنة والقادرة على تجديد حضوره، وعلى تمكينه من أسباب العيش والأمان والتقدم.
• هل من مشاريع قادمة على أرض الكتابة؟
- الكتابة تفتحُ لي دروبًا وسبلًا، تسعى خطواتي فيها من دون مسبقات، غير لزوم التجديد، وإشاعة الحياة في بنيانها. هناك كتبٌ باتت في عهدة ناشرِيها. وهناك كتبٌ قيد الإنهاء الوشيك. وهناك خيالاتُ كتبٍ تتجه صوبي، فيما سأكون مستعدًا للتلاقي معها، وفق طاقات الأمل التي في العزم، والتقدم في غامض الاحتمالات وأشهاها.
مجلة "العربي"، الكويت، العدد 798، 2025