المفاجأة الثالثة في كتاب د. حورية الخمليشي، هو ما قدمتْه من عمل مسرحي مستقى من القصيدة عينها، بمسرحة قامت بها المخرجة المسرحية المغربية مجيدة بنكيران.
مسرحة القصيدة (التي اتت في فصل واحد، في ثلاثة مشاهد)، منشورة في الكتاب، ولا يسعني القول فيها ما دمت لم أرها فوق خشبة.
ما قامتْ به بنكيران، يفرحني؛ وهو ما قام به التونسي سالم اللبان في عمل شعري-سينوغرافي-غنائي مشترك في مدينة المنستير (2006)، وحملَ عنوان : "عتيات للرحيل... وللوصول ايضا".
إلا أن ما قامت به بنكيران يقوم على "شخصنة" القصيدة، إذا جاز القول، ما يرسم وضعيات مفاجئة بين التخييل والفرجة.
مثل هذا المسعى (أي مسرحة قصائد لي)، أدركُ صعوبته، أو انتقاله إلى خشبة، أو "ترجمته" في عمل سينوغرافي.
لكن صعوبته لا تلغي قيام علاقات بينة، في قسم واسع من قصائدي، مع المسرح (ولعي الأول في الأدب).
فمن يَعُدْ الى كثير من مواقفي، او مما كتبتُ، يتبين هذه الفسحات المفتوحة بين مبنى القصيدة وخشبة المسرح : "أحلى ما يجري أثناء كتابة القصيدة، هو أنها تنقاد، في جانب من عملياتها، إلى أن تكون خشبةَ تمثيلٍ، ما قد يكون أقوى جوانبها وأخفاها. كما ينقاد الشاعر بدوره إلى أن يكون ممثلا في هيئة كلام".
كما كتبتُ ايضا : "أن ينصرف شاعر إلى التعبير، فهذه عملية معقدة للغاية، وليست لفظية أو بلاغية. فالقصيدة بناء يخترقُه ويربطُه أكثر من حوار، منعقدٍ بين الفردي والاجتماعي، بين الجمالي والنفسي. هذا ما بخص الشاعر لنفسه، وهذا ما يخصه مع غيره. ولهذا هو إنسان وممثل، وفي الوقت نفسه. الشاعر، إذ يتلفظ، يقوم فوق خشبة، ويدرك، في صورة مسبقة، ان هناك من ينتظر قوله، فيتوجه إليه" (في كتاب "أثناء القصيدة").
الصورة المرفقة : عمل فني للخمليشي، وللقصيدة عينها (قماش وخيوط حرير، 2021).